في عصر التقدم التكنولوجي هائل السرعة، يبرز الذكاء الاصطناعي كالتقنية الأكثر تأثيراً في حياتنا اليومية، ويشهد توسعاً وتزايداً في الاستخدام غير مسبوق، إذ أن أدوات الذكاء الاصطناعي، لاسيما ChatGPT، أصبحت مرجعاً تعتمد عليه الشركات، الأفراد، والعاملون المستقلون لزيادة الإنتاجية وتحسين الكفاءة.

إن نزعة المجتمع تلك للذكاء الاصطناعي، في الحقيقة، تترك نقاط استفهام على عدة تحديات وجوانب أخلاقية، إذ تمتلك هذه التقنيات القدرة على تعطيل حياة البشر وأعمالهم وإظهار الجانب السيئ منهم، بقدر إمكانيتها تحسين حياتهم وإبراز الجانب المشرق منهم. 

ولأن مجال العمل المستقل مجال واسع، مفهومه حساس، يختلف عن مفهوم العمل على أرض الواقع بأمور عدة، والعاملون فيه لهم أساليبهم الخاصة لإنجاز أعمالهم، فإننا في مقالنا لليوم، سنتحدث عن تحديات وأخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل المستقل، وأبرز ما يواجهه المستقلون في عصر الـــAI.

ما هو الذكاء الاصطناعي؟

يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي، ببساطة، تجسيداً للذكاء البشري في شكل مضخم وقدرات أكبر. فهو يشمل آلات وأنظمة تحاكي ذكاءنا لتساعدنا في أداء المهام، توفير الوقت، زيادة الإنتاجية، تبسيط الأعمال، أتمتة الوظائف، إجابة التساؤلات، وغيرها. تتمتع تقنيات الذكاء الاصطناعي بقدرة فريدة على استخدام المعلومات التي تجمعها لتحسين استجابتها، وقد أثبتت فعاليتها في حل المشكلات، فهم احتياجات البشر، التعلم المستمر، التطور، والتخطيط.

 إن اهتمام البشرية باستحداث أنظمة وآلات قادرة على التفكير ظهر منذ قرون مضت، وإن التطور الهائل في مجالات التكنولوجيا المختلفة، والحوسبة، وتقنيات الإنترنت خلال العقود الأخيرة، مهّد إلى ظهور الذكاء الاصطناعي وانتشاره، لذا هناك اعتقاد أن جذور الذكاء الاصطناعي تعود إلى منتصف القرن العشرين، ولو اختلفت المسميات حينها.

تحديات استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل المستقل

مع تفشي أدوات الذكاء الاصطناعي، لدى أرباب العمل خصوصاً، وسهولة الوصول إليها، والنتائج المقبولة التي تأتي بها، تظهر تحديات عديدة حول استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل المستقل لدى المستقلين، أبرزها:

القلق بشأن فقدان العمل

هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلّ محلّ المستقلين؟ خاصةً في المهام الروتينية كالتصميم والكتابة؟ ما هو شعور المستقلين أنفسهم بوجود أدوات تنافسهم على مراكزهم؟ إنها أسئلة مطروحة وملحّة، وملائمة للواقع تماماً، فالذكاء الاصطناعي المتطور اليوم، وعلى الرغم من صعوبة تقديمه لنتائج مثالية، أصبح قادراً على تقديم محتوى ونماذج تضاهي جودة عمل المستقلين في كثير من الحالات.

ومع الأخذ بعين الاعتبار أن البشر مؤهلون لارتكاب الأخطاء، ويحتاجون إلى الراحة والنوم، فمن الصعب لهم أن يرتقوا إلى مستوى الذكاء الاصطناعي الذي يعمل دون توقف. ولكن يُحسب أيضاً للإنسان قدرته على الإبداع التي يفقدها الذكاء الاصطناعي، لذا لا يمكن – على الأقل في الوقت الحالي – استبدال العامل المستقل المحترف بشكل كامل، فضلاً عن وظائف عدة في مجالات أخرى ترافق ظهورها مع انتشار الـAI.

الحاجة إلى التكيف مع التكنولوجيا وتطوير المهارات

إحدى أبرز تحديات استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل المستقل هي تعلّم كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي نفسه بالطريقة المثلى، يتعيّن على العامل المستقل أن يدرك آلية عمل الأداة التي يستخدمها، وطرق التعامل معها، ولغة التواصل وكتابة الأوامر، فقد انتشر مصطلح ومجال قائم بحد ذاته تحت مسمى Prompt Engineering أو هندسة الأوامر، وهو يهتم بالنقاط الفارقة أثناء كتابة أمر ما إلى أداة الذكاء الاصطناعي لضمان أدق وأفضل استجابة ونتيجة ممكنة.

الشكوك حول قيم الإنسان الفريدة

في ظل توفر أدوات الذكاء الاصطناعي بأيدي أرباب العمل كما أسلفنا، يتساءل العامل المستقل عمّا إذا كان العميل أو رب العمل سيفضّل مخرجات تلك الأدوات على عمله الإبداعي البشري. ولكن، رغم وجود أدوات تولد المحتوى بأنواعه بسهولة، يمكن لنجم العامل المستقل أن يسطع من خلال حفاظه على بصمته الإبداعية الفردية، والتي لا يستطيع الذكاء الاصطناعي تقليدها.

الأخلاقيات والمسؤولية

الاستخدام الشائع وغير المنضبط لأدوات الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى ممارسات غير أخلاقية، أو خالية من المسؤولية، أبسطها استخدام تلك الأدوات دون إبلاغ العميل بذلك، وسنتوسع في شرح أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل المستقل بعد قليل.

الخصوصية والملكية الفكرية

عند استخدامك لأي أداة من أدوات الذكاء الاصطناعي، كن حذراً وبشدّة من المعلومات التي تغذيها بها، لأن معلوماتك تلك قد تصبح متاحة للعموم بمجرد إدخالها كونها أصبحت جزءاً من قاعدة بيانات الأداة، فالذكاء الاصطناعي التوليدي هو نموذج مفتوح يعتمد على المعلومات التي يدخلها المستخدمون للاستجابة، إلى جانب قواعد معلوماته الواسعة.

وهذا أيضاً يفرض على العامل المستقل مسؤولية إضافية بعدم انتهاك خصوصية بيانات الغير أو سرقة الأفكار، فمن الوارد أن يتم استنساخ أو إعادة استخدام محتوى المستقلين المتوفر على الإنترنت.

السوق التنافسي المتزايد

هو أحد أبرز تحديات الذكاء الاصطناعي التي طالت جميع المستقلين، فإن وجود أدوات ذكاء اصطناعي تسهّل عمل المستقلين، وتختصر وقتاً كثيراً، أدى، من ناحية، إلى استغلال العملاء لهذا الأمر وعرض أجور أقل، ومن ناحية أخرى إلى قَبول بعض المستقلين بهذه الأجور لكسب الفرص. ولكن، تبقى سمعتك المهنية، وعلامتك الشخصية، وأعمالك وبصمتك، واجهتك أمام جميع العملاء، والتي توضّح لهم استحقاقك لأجرك الذي تطلبه.

أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل المستقل

إن الالتزام بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي أمر مهم لأسباب عدّة، فذلك أولاً، يبني جسراً من المصداقية والثقة والاحترافية والنزاهة بين العامل المستقل والعميل، وثانياً، يقلل من العواقب المحتملة عن الاستخدام الضار والخاطئ لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ومن أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل المستقل نذكر:

الشفافية

من أخلاقيات العمل المستقل إبلاغ العملاء أنك تستخدم الذكاء الاصطناعي، وتوضيح مدى استفادتك منه وكيفية ذلك، أو تضمين ذلك في عرض العمل، وذلك ببساطة لأن العميل لا يريد نتائج ذكاء اصطناعي بل نتائج بشرية أكثر جودة، ولهذا قد لجئ لك، بل إن بعض الشركات باتت تدرج بنداً إضافياً في عقود العمل ينص على استخدام الذكاء الاصطناعي أو عدم استخدامه.

صحة المعلومات والجودة

جرّب سؤال إحدى نماذج الذكاء الاصطناعي المتوسطة عن "معركة الملوخية" وسترى العجب في الإجابة، وعلى الرغم من أن النماذج المتطورة الأخيرة من الذكاء الاصطناعي تقدّم معلومات أكثر صحة، إلا أن احتمالية تضمين معلومات خاطئة ضمن الإجابات هي احتمالية لا بأس بها حتى مع إرفاق المراجع والبحث في الويب.

وإن تلك الأخطاء أو المحتوى غير المناسب يتحمله العامل المستقل ويُحاسب عليه، لذا فإن ضمان جودة مخرجات الذكاء الاصطناعي وصحتها يعتبر إحدى أهم أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل المستقل.

تجنب الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي

إن دماغ الإنسان نصفان، نصف أيمن مسؤول عن الفنون واللغات والإبداع، ونصف أيسر مسؤول عن المنطق ومهارات التحليل والحساب والذكاء، وباعتمادك المفرط على الذكاء الاصطناعي ستفقد وظائف النصفين معاً وفقاً للدراسات الحديثة.

بعد تحليل بيانات بعض المستخدمين لموقع ChatGPT، وُجد أن أغلبهم يستعينون به لأداء مختلف المهام، من أبسط المهام الروتينية، إلى مهام معقدة لا يمكن إلا للإنسان إنجازها، وهذا الأمر يؤدي بمرور الوقت إلى نقص الذكاء والإبداع البشري نتيجةً لنقص التفكير وقلة الاستغراق في حل المشكلات.

ويحتاج دماغ العامل المستقل إلى أنشطة مستمرة ليؤدي مهامه على أفضل وجه، وتحتاج أعماله إلى الإبداع واللمسة الخاصة التي تميزه عن الآخرين، وبفقدانهما يفقد جزءاً من كينونته كعامل مستقل.

احترام الملكية الفكرية

إحدى أخلاقيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، تبرز من كونه يعتمد مليارات الصور المتاحة على الإنترنت، والمقالات المنشورة في المدونات، وبعض تلك الصور والمقالات يحمل حقوق ملكية فكرية لا يجب التعدي عليها باستخدامها مباشرة دون أدنى تعديل أو تصريح، ولسوء الحظ، فإن العميل قد لا يعرف أن تلك المقالات أو الصور تحمل حقوق فكرية، مما يؤدي به إلى محتوى غير قانوني يضرّ بموقعه وعمله.

لذا لا بد من التدخّل والتعديل الواسع على بعض مخرجات الذكاء الاصطناعي، أو الانتباه لخطورة استخدامها.

التكيف مع الذكاء الاصطناعي في العمل المستقل

إن تحديات وأخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل المستقل تفرض مسؤولية إضافية للعامل المستقل، ومسؤولية إضافية للهيئات والمؤسسات المسؤولة عن الذكاء الاصطناعي في المجتمعات حول توفير برامج تدريبية وتأهيلية للأفراد عن استخدام الذكاء الاصطناعي وتوعيتهم حول تحدياته، أخلاقياته، فوائده، مخاطره، وغير ذلك، ووضع القوانين والعقوبات للمحاسبة، وتوسيع مجال البحث والتطوير لتحقيق الاستفادة المثلى من تلك التقنيات والأدوات في العمل المستقل، مع الالتزام بمعايير الجودة ومراعاة الأخلاق المهنية.

الخاتمة

لا يمكن إنكار أن مستقبل سوق العمل مرتبط بالذكاء الاصطناعي، فهو ليس مجرد تقنية جديدة، إنما ثورة في عالم التكنولوجيا، تحمل معها تحديات وأخلاقيات ينبغي التحكم بها لتسخير هذه التقنيات لصالح البشرية وحل مشكلاتهم لا العكس، وإن وجود إدارة ذاتية على مستوى العامل المستقل، وفهم الإمكانات والتحديات والتكيف معها، يضمن مستقبل أكثر إشراقاً واستدامة.

المصادر:

Artificial Intelligence and Ethics: Sixteen Challenges and Opportunities / SCU

What Is AI Ethics? / mailchimp

الذكاء الاصطناعي.. الثورة القادمة في عالم التكنولوجيا! / الجزيرة